فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول: قوله: {لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ} يجري مجرى التحقير والتقليل فما المراد منه؟

الجواب: المراد: لهم نصيب من الدنيا ومن الآخرة بسبب كسبهم وعملهم فقوله: {مِنْ} في قوله: {مِمَّا كَسَبُواْ} لابتداء الغاية لا للتبعيض.

.السؤال الثاني: هل تدل هذه الآية على أن الجزاء على العمل؟

الجواب: نعم.
ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي.

.السؤال الثالث: ما الكسب؟

الجواب: الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون كسبه ومكتسبه، بشرط أن يكون ذلك جر منفعة أو دفع مضرة، وعلى هذا الوجه يقال في الأرباح: إنها كسب فلان، وأنه كثير الكسب أو قليل الكسب، لأن لا يراد إلا الربح، فأما الذي يقوله أصحابنا من أن الكسب واسطة بين الجبر والخلق فهو مذكور في الكتب القديمة في الكلام. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:

.قال البقاعي:

ولما كان أسرع الناس حسابًا أعلمهم بفنونه خطأ وصوابًا وكان التقدير: فالله عالم بخفي أعمالهم وجليها وتمييز جيدها من رديئها فهو يجازيهم على حسب ذلك عطف عليه قوله: {والله} أي المحيط علمًا وقدرة {سريع الحساب} وهو أحصى الأعمال وبيان ما يجب لكل منها الجزاء واتصاله إلى العامل لما له من سعة العلم وشمول القدرة، قيل لبعضهم: كيف يحاسب الله الخلق في وقت واحد؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد، وفيه ترغيب بأنه لا ينسى عملًا، وترهيب بأنّه لا يمشي عليه باطل ولا يقدر على مدافعته مطاول. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {والله سَرِيعُ الحساب} ففيه مسائل:

.المسألة الأولى: {سَرِيعُ}:

فاعل من السرعة، قال ابن السكيت: سرع يسرع سرعًا وسرعة فهو سريع {والحساب} مصدر كالمحاسبة، ومعنى الحساب في اللغة العد يقال: حسب يحسب حسابًا وحسبة وحسبا إذا عد ذكره الليث وابن السكيت، والحسب ما عد ومنه حسب الرجل وهو ما يعد من مآثره ومفاخره، والاحتساب الاعتداد بالشيء، وقال الزجاج: الحساب في اللغة مأخوذ من قولهم: حسبك كذا أي كفاك فسمى الحساب في المعاملات حسابًا لأنه يعلم به ما فيه كفاية وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان.

.المسألة الثانية معنى الحساب:

اختلف الناس في معنى كون الله تعالى محاسبًا لخلقه على وجوه أحدها: أن معنى الحساب أنه تعالى يعلمهم ما لهم وعليهم، بمعنى أنه تعالى يخلق العلوم الضرورية في قلوبهم بمقادير أعمالهم وكمياتها وكيفياتها، وبمقادير ما لهم من الثواب والعقاب، قالوا: ووجه هذا المجاز أن الحساب سبب لحصول علم الإنسان بما له وعليه، فإطلاق اسم الحساب على هذا الإعلام يكون إطلاقًا لاسم السبب على المسبب وهذا مجاز مشهور، ونقل عن ابن عباس أنه قال: إنه لا حساب على الخلق بل يقفون بين يدي الله تعالى ويعطون كتبهم بأيمانهم فيها سيئاتهم، فيقال لهم: هذه سيئاتكم قد تجاوزت عنها ثم يعطون حسناتهم ويقال: هذه حسناتكم قد ضعفتها لكم.
والقول الثاني: أن المحاسبة عبارة عن المجازاة قال تعالى: {وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ فحاسبناها حِسَابًا شَدِيدًا} [الطلاق: 8] ووجه المجاز فيه أن الحساب سبب للأخذ والإعطاء وإطلاق اسم السبب على المسبب جائز، فحسن إطلاق لفظ الحساب عن المجازاة.
والقول الثالث: أنه تعالى يكلم العباد في أحوال أعمالهم وكيفية مالها من الثواب والعقاب فمن قال إن كلامه ليس بحرف ولا بصوت قال إنه تعالى يخلق في أذن المكلف سمعًا يسمع به كلامه القديم كما أنه يخلق في عينه رؤية يرى بها ذاته القديمة، ومن قال إنه صوت قال إنه تعالى يخلق كلامًا يسمعه كل مكلف إما بأن يخلق ذلك الكلام في أذن كل واحد منهم أو في جسم يقرب من أذنه بحيث لا تبلغ قوة ذلك الصوت أن تمنع الغير من فهم ما كلف به، فهذا هو المراد من كونه تعالى محاسبًا لخلقه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {والله سريع الحساب} تذييل قصد به تحقيق الوعد بحصول الإجابة، وزيادة تبشير لأهل ذلك الموقف، لأن إجابة الدعاء فيه سريعة الحصول، فعلم أن الحساب هنا أطلق على مراعاة العمل والجزاء عليه.
والحساب في الأصل العد، ثم أطلق على عد الأشياء التي يراد الجزاء عليها أو قضاؤها، فصار الحساب يطلق على الوفاء بالحق يقال حاسبه أي كافأه أو دفع إليه حقه، ومنه سمي يوم القيامة يوم الحساب وقال تعالى: {إن حسابهم إلا على ربي} [الشعراء: 113] وقال: {جزاء من ربك عطاء حسابًا} [النبأ: 36] أي وفاقًا لأعمالهم، وهاهنا أيضًا أريد به الوفاء بالوعد وإيصال الموعود به، فاستفادة التبشير بسرعة حصول مطلوبهم بطريق العموم؛ لأن إجابتهم من جملة حساب الله تعالى عباده على ما وَعدهم فيدخل في ذلك العموم. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في معنى كونه تعالى سريع الحساب وجوهًا:
أحدها: أن محاسبته ترجع إما إلى أنه يخلق علومًا ضرورية في قلب كل مكلف بمقادير أعماله ومقادير ثوابه وعقابه، أو إلى أنه يوصل إلى كل مكلف ما هو حقه من الثواب أو إلى أنه يخلق سمعًا في أذن كل مكلف يسمع به الكلام القديم، أو إلى أنه يخلق في أذن كل مكلف صوتًا دالًا على مقادير الثواب والعقاب وعلى الوجوه الأربعة فيرجع حاصل كونه تعالى محاسبًا إلى أنه تعالى يخلق شيئًا، ولما كانت قدرة الله تعالى متعلقة بجميع الممكنات، ولا يتوقف تخليقه وإحداثه على سبق مادة ولا مدة ولا آلة ولا يشتغله شأن عن شأن لا جرم كان قادرًا على أن يخلق جميع الخلق في أقل من لمحة البصر وهذا كلام ظاهر، ولذلك ورد في الخبر أن الله تعالى يحاسب الخلق في قدر حلب ناقة.
وثانيها: أن معنى كونه تعالى: {سَرِيعُ الحساب} أنه سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم، وذلك لأنه تعالى في الوقت الواحد يسأله السائلون كل واحد منهم أشياء مختلفة من أمور الدنيا والآخرة فيعطي كل واحد مطلوبه من غير أن يشتبه عليه شيء من ذلك ولو كان الأمر مع واحد من المخلوقين لطال العد واتصل الحساب، فأعلم الله تعالى أنه {سَرِيعُ الحساب} أي هو عالم بجملة سؤالات السائلين، لأنه تعالى لا يحتاج إلى عقد يد، ولا إلى فكرة وروية، وهذا معنى الدعاء المأثور: «يا من لا يشغله شأن عن شأن» وحاصل الكلام في هذا القول أن معنى كونه تعالى: {سَرِيعُ الحساب} كونه تعالى عالمًا بجميع أحوال الخلق وأعمالهم ووجه المجاز فيه أن المحاسب إنما يحاسب ليحصل له العلم بذلك الشيء فالحساب سبب لحصول العلم فأطلق اسم السبب على المسبب.
وثالثها: أن محاسبة الله سريعة بمعنى آتية لا محالة. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله سَرِيعُ الحساب}. يحاسب العباد على كثرتهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وروي بمقدار فواق ناقة، وروي بمقدار لمحة البصر أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس فبادروا إلى الطاعات واكتساب الحسنات، والجملة تذييل لقوله تعالى: {فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة: 00 2] الخ والمحاسبة إما على حقيقتها كما هو قول أهل الحق من أن النصوص على ظاهرها ما لم يصرف عنها صارف، أو مجاز عن خلق علم ضروري فيهم بأعمالهم وجزائها كمًا وكيفًا، ومجازاتهم عليها هذا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{والله سَرِيعُ الحساب}؛ قال الكلبي: إذا حاسب فحسابه سريع. ويقال: والله سريع الحفظ. وقال الضحاك: يعني لا يخالطه العباد في الحساب يوم القيامة ولا يشغله ذلك. ويقال: يحاسب كل إنسان فيظن كل واحد منهم أنه يحاسبه خاصة. اهـ.

.قال القرطبي:

قلت: والكل محتمل، فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالأعمال الصالحة؛ وإنما يخف الحساب في الآخرة على من حاسب نفسه في الدنيا. اهـ.

.قال الزمخشري:

وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدلّ على كمال قدرته ووجوب الحذر منه. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {والله سَرِيعُ الحساب}.
قال ابن عطية: قيل لعلي كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ فقال: كما يرزقهم في يوم.
قال ابن عرفة: كما يفهم أن العرض لا يبقى زمنين والقدرة صالحة إلى الإمداد بعرض آخر فكذلك القدرة صالحة لأن يخلق لله في نفس كل واحد الإخبار بما لَهُ وما عليه فيخبرُون بذلك في زمن واحد. وهذا أمر خارق للعادة ولا يمكن قياسه على الشاهد. اهـ.

.قال القرطبي:

قال ابن عباس في قوله تعالى: {أولئك لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ} هو الرجل يأخذ مالًا يحج به عن غيره، فيكون له ثواب. وروي عنه في هذه الآية أن رجلًا قال: يا رسول الله، مات أبي ولم يحج؛ أفأحج عنه؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو كان على أبيك دَين فقضيته أمَا كان ذلك يَجزي». قال نعم. قال: «فَدين الله أحق أن يُقضَى».
قال: فهل لي من أجر؟ فأنزل الله تعالى: {أولئك لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ} يعني من حجّ عن مَيّت كان الأجر بينه وبين الميّت. قال أبو عبد اللَّه محمد بن خُويْزِ مَنْداد في أحكامه: قول ابن عباس نحو قول مالك؛ لأن تحصيل مذهب مالك أن المحجوج عنه يحصل له ثواب النفقة، والحجة للحاج؛ فكأنه يكون له ثواب بدنه وأعماله، وللمحجوج عنه ثواب ماله وإنفاقه، ولهذا قلنا: لا يختلف في هذا حكم من حج عن نفسه حجة الإسلام أو لم يحج؛ لأن الأعمال التي تدخلها النيابة لا يختلف حكم المستتاب فيها بين أن يكون قد أدّى عن نفسه أو لم يؤدّ، اعتبارا بأَعمال الدين والدنيا. ألا ترى أن الذي عليه زكاة أو كفارة أو غير ذلك يجوز أن يؤدّي عن غيره وإن لم يؤدّ عن نفسه، وكذلك من لم يراع مصالحه في الدنيا يصح أن ينوب عن غيره في مثلها فتتم لغيره وإن لم تتم لنفسه؛ ويزوّج غيره وإن لم يزوّج نفسه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الجصاص في الآيات السابقة:

قال رحمه الله: